إذا تأملنا في مصطلح التعاضد ومفردها العَضُدُ نجد أنها في اللغة تعني الساعد، وهو من المِرفق إلى الكتف، وفي الاصطلاح يُشار إلى التعاضد على أنه التكاتف والتشابك والوقوف جنباً إلى جنب حول موضوع ما، وهو إشارة إلى القوة والجلد قال تعالى (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) سورة القصص آية (35) أي سنقوي أمرك ونعز جانبك بأخيك، فلا تكون القوة إلا بالتماسك والوقوف جنباً إلى جنب لحل معضلة قد تواجهنا أو درأ لمفسدة أو إيجاد حل لمسألة ما.
فإدارة التعاضد المعرفي في المنظمات تعني المشاركة وقوة الرأي والتي تُفضي إلى الحكمة في اتخاذ القرار، فالتدرج الهرمي للمعرفة يبدأ بالبيانات وهي خام عديمة الفائدة، وإذا ما تم استثمارها والاستفادة منها ترتقي وتصبح معلومات، ثم تصل إلى المعرفة وهي الخبرات التراكمية والتي تجمعت نتيجة عدة سنوات من العمل أو عن طريق المحاكاة العملية Benchmarking أو عن طريق تلقي التدريب الموجه أو التفاعلي، وبالتالي نجد أن قمة تدرج الهرم المعرفي توصلنا إلى الحكمة والرُشد Wisdom في صنع القرار للإدارة العليا.
فالاستعداد المسبق من قبل المنظمات بعمل إدارة تُعنى بتجميع المعرفة والخبرات التراكمية من الموارد البشرية والتي أثمرت إلى وجود كنز معرفي هائل لمواجهة التحديديات المستقبلية من تقلبات تنافسية متوقعة في ظل العولمة الحالية، يوفر الكثير من المال والجهد والوقت.
فيكون الاستعداد عن طريق فتح المجال أمام موظفي المنظمة لبث خبراتهم وثقافاتهم وما تم مواجهته من عقبات تم حلها وتجاوزها، فالخبرات تعني المعرفة الضمنية الكامنة لدى الموارد البشرية والتي يصعب التصريح بها أو حتى كتابتها وتوثيقها، فيأتي دور الإدارة الذكية في تسجيل هذه الخبرات الطويلة للموظفين إما عن طريق تبادلها بمواقع التواصل الاجتماعي للشركة أو فتح المجال لنقل المعرفة عن طريق التدريب على رأس العمل، أو تحفيز الموظفين كما يُطلق عليه في علم النفس المعرفي بـ (التداعي الحُر) ويُقصد به تقديم مكافأة مادية أو عينية بحسب ما تراه الإدارة القائمة على تجميع الخبرات وهي إدارة المعرفة Knowledge Management لمن يُدلي بخبراته الثمينة والتي سيتم الاستفادة منها ويُترك المجال للموظفين بكتابة قصص نجاحهم المتوالية في الإبداع والابتكار ومن ثم تفنيد هذه القصص لإيجاد الأجدر منها ومحاولة تطبيقها إلى منتج يستفاد منه مادياً لرفع الإنتاج ومحاولة تقليص المصروفات.
فالشركات العالمية الكبرى مثل جنرال إلكتريك وبوينج وسيمنز تتبنى ما يسمى بإدارة المعرفة وهي رأس المال الفكري Intellectual capital، وهو الأصل الغير ملموس لأي منظمة إذا ما أرادت أن تقوي جانبها الاقتصادي والإنتاجي، فالتعاضد المعرفي يكمن في إدارة الأفكار الموجودة لدى الموارد البشرية وتشخيصها والاستحواذ على الأفكار النيرة منها والصائبة ومن ثم التحفيز على الاستدامة في توليد تلك الأفكار وتخزينها بطريقة علمية تمكن الرجوع إليها وقت الحاجة أو ما يسمى بآنية الوصول ودقة المعلومة لتقديمها لصاحب القرار لصنع القرار واتخاذه.
فالتحدي القادم لرؤية المملكة 2030 تقوم في الأساس على الاقتصاد المعرفي ورأس المال الفكري الموجود في عقل المورد البشري ذو الخبرة العالية المتمثل في شباب الوطن والمرتكز حول مفهوم ماذا نعرف لكي نعمل، وكيف نتعاضد لكي ننتج، فالمعرفة هي القوة المستقبلية لأي منظمة knowledge is power.